مؤسسة الفسخ في القانون المغربي
مؤسسة الفسخ في القانون المغربي
مقدمة:
يعتبر العقد الركيزة الأساسية التي تقوم عليها جل المعاملات بين الناس، وهو مؤسسة قانونية تهدف إلى استقرار المعاملات وتنظيم العلاقات التعاقدية. فإذا نشأ العقد صحيحا، ومستجمعا لكافة أركانه وشروطه، تترتب عنه آثار، وأهمها القوة الملزمة للعقد، وهي التي عبر عنها بعض الفقهاء بقولهم: “من قال عقدا قال عدلا”. وبمقتضى هذا المبدأ، يصبح كل طرف ملزم بتنفيذ الالتزامات الملقاة على عاتقه. غير أنه في بعض الحالات قد يتماطل ويخل أحد المتعاقدين بتنفيذ الالتزام، إما من تلقاء نفسه، أو نتيجة ظروف تجعل التزامه بالتنفيذ أمرا مستحيلا، مما يستعصي على الطرف الآخر الاستمرار في العقد. فيلجأ الدائن إلى بعض الآليات لدفع المدين لتنفيذ التزامه، كالدفع بعدم التنفيذ باعتباره وسيلة دفاعية للضغط على المدين لتنفيذ التزامه. وقد لا تنتج هذه الآلية آثارها المرجوة مما يدفع بالدائن الى اعتماد وسيلة أخرى المتمثلة في مؤسسة الفسخ، هذه الأخيرة تعتبر مؤسسة قانونية هجومية تهدف إلى حل العلاقة العقدية،
ويعتبر الفسخ مؤسسة عريقة أقرتها كل القوانين المدنية المقارنة، وهو ثمرة تطورطويل، فالقانون الروماني لم يأخذ بها إلا في مراحل متأخرة عندما فتح الباب أمام العقود الرضائية، وفي الفقه الاسلامي أعطى الشارع للبائع خيار النقد كشرط لفسخ البيع إذا لم يستوف الثمن. وكذلك سار القانون الفرنسي على هذا الدرب، فقالوا بجواز الفسخ حتى لو لم يوجد شرط صريح، ولكن الفسخ لا يتم إلا بحكم قضائي. وقد تبلور الفسخ جيدا في القانون الكنسي[1] باعتباره يولي أهمية كبرى لمبدأ الرضائية، إلى أن اكتسب أساسه القانوني في العقود الملزمة لجانبين في القرن 19.
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع المغربي لم ينص على نظرية عامة للفسخ عكس بعض التشريعات الأخرى، وانما أورد تطبيقات لهذا النظام القانوني في فصول متفرقة من قانون الالتزامات والعقود، فقد نظمه المشرع في باب تنفيذ الالتزامات، كما تحدث عنه في آثار البيع بوجه عام حينما تحدث عن عيوب الشيء المبيع.
وتكمن أهمية مؤسسة الفسخ في صيانة حقوق الدائن الذي يستطيع بموجبها التحلل من الالتزامات المترتبة عليه بموجب العقد، عند عدم تنفيذ المدين لالتزامه. وتمكن أيضا في كون مؤسسة الفسخ من أهم الآليات التي قررها المشرع تحقيقا لمبدأ التوازن العقدي.
على هذا الأساس تطفو مجموعة من الإشكالات على السطح، ومن أهمها: كيف نظم المشرع المغربي المقتضيات المتعلقة بالفسخ في ظهير الالتزامات والعقود؟ وكيف ساهمت التطورات الاقتصادية والاجتماعية في ابراز خصوصية الفسخ في المجال التجاري بخلاف الفسخ في العلاقات المدنية؟
من أجل بسط هذا الموضوع، وسبر أغواره، ارتأينا معالجته وفق التقسيم التالي:
المبحث الأول: الأحكام العامة للفسخ.
المبحث الثاني: خصوصية الفسخ بين المادة المدنية والمادة التجارية.
تعتبر الالتزامات التبادلية على رأس الالتزامات التي تربط الأفراد في معاملاتهم مع غيرهم، فإذا وقعت صحيحة مستجمعه لكافة أركانها وشروطها ، وجب على طرفي العقد الالتزام بتنفيذها طبقا لقاعدة العقد شريعة المتعاقدين ، لكن في حالة الاخلال بتنفيذ الالتزامات التعاقدية، من قبل أحد أطراف العقد، خول المشرع للطرف الآخر إمكانية التحلل من التزامه عن طريق الفسخ، وهذا الأخير باعتباره طريقا من طرق انقضاء الالتزام كان لزاما علينا الوقوف عليه بالدراسة وذلك بتبيان ماهيته وتعداد أنواعه (المطلب الأول) ، مع التطرق للآثار التي ترتب على الفسخ (المطلب الثاني).
المطلب الأول: ماهية الفسخ وأنواعه
يعتبر الفسخ من أهم الآليات التي قررها المشرع لانـحلال الرابطة التعاقدية، فهو استثناء على القوة الملزمة التي أحاط بها المشرع العقد، ولما للفسخ من أهمية، فلابد لنا من معرفة ماهيته من خلال الوقوف على أساسه وشروطه وكذا أنواعه ،وكذا الوقوف على أنواع الفسخ. وهو من أعرق المؤسسات القانونية وأكثرها استعمالا عندما يتعلق الأمر بانحلال الرابطة العقدية، لذلك فلابد لنا من الوقوف على حقيقة هذا المفهوم وأساسه. فلا شك أن تحديد المفهوم في أي قضية يتبوأ مكانة هامة، إذ يعتبر بمثابة الأساس من البناء. فلا يتصور مناقشة إشكالات دون تحديد وضبط المفهوم.
والفسخ لغة هو النقض، فقد قال ابن منظور ، فسخ الشيء يفسخه فسخا فانفسخ: نقَضَه فانتقض، وتفاسخت الأقاويل: تناقضت [2]. وعلى مستوى الاصطلاح، فقد تعددت الزوايا التي تم من خلالها معالجة الفسخ وتعريفه، فهناك من نظر اليه من زاوية كونه نظاما، فعرفه بأنه نظام قانوني استثنائي قائم الى جانب نظام التنفيذ، وهناك من نظر اليه من زاوية كونه جزاء، فعرفه بأنه جزاء قانوني يترتب عند الاخلال بواجب تنفيذ العقد، وقد ذهب مع هذا الاتجاه الأستاذ عبد القادر العرعاري بتعريفه للفسخ بكونه “جزاء مدني يهدف الى وضع حد للعلاقة التعاقدية عندما يحصل الاخلال بمقتضيات الاتفاق الرابط بين المتعاقدين”[3]. وهناك أيضا اتجاه أخر نظر اليه من زاوية أنه طريق، فعرفه بأنه طريق من طرق حل الرابطة العقدية وازالتها[4].
غير أن هناك اتجاه آخر دون هؤلاء عرف الفسخ بكونه حق، بحيث عرفه الفسخ بأنه “حق المتعاقد في العقد الملزم للجانبين، إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزاماته الناشئ عن العقد، أن يطلب بحل الرابطة العقدية كي يتحلل هو من التزاماته“[5].
وبهذا فالفسخ حق قانوني يخول صاحبه إمكانية حل الرابطة التعاقدية متى أخل المدين بواجب التنفيذ، بمعنى أن حق الفسخ مقترن وجودا وعدما بعدم تنفيذ المدين. وبما ان الفسخ حق قانوني، لابد لكل حق من أساس يقوم عليه.
و لقد دب الخلاف بين الفقهاء حول الأساس الذي يقوم عليه الفسخ، وتعددت النظريات التي تأسس لهذا الحق. فمن ذهب إلى أن الفسخ أسس على فكرة وجود شرط فاسخ ضمني. وهي فكرة وجدت أساسها في القانون الكنسي، لكنها تبلورت الى أن استقرت في القانون الفرنسي القديم في مادته 1184 والتي تقضي ب “أن جميع العقود الملزمة للجانبين يجوز فسخها عندما يتخلف أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزمه على أساس وجود شرط فاسخ مفترض محله عدم التنفيذ، فإذا تحقق الشرط بأن تخلف أحد المتعاقدين عن التنفيذ كان للمتعاقد الآخر أن يطلب فسخ العقد”[6]. ولقد أثارت فكرة الشرط الفاسخ الضمني خلافا فقهيا، ولقد أقر بعض الفقهاء بعدم جدواها، وعلى رأسهم الفقيه عبد الرزاق السنهوري حيث يقول: ” لو صح هذا (أي التأسيس للفسخ على الشرط الفاسخ الضمني) لترتب عليه أنه بمجرد عدم قيام المدين بالتزاماته يتحقق الشرط فينفسخ العقد من تلقاء نفسه. وهذا غير صحيح لأن الفسخ لا يكون إلا بحكم قضائي أو باتفاق، وللقاضي حق التقدير فيجيب طلب الفسخ أو يرفضه، وللمدين أن يقوم بتنفيذ العقد فيتوقى الحكم بالفسخ، وللدائن أن يعدل عن المطالبة بفسخ العقد الى المطالبة بتنفيذه”[7]. وهناك من الفقهاء من ذهب إلى أن أصل الفسخ مبني على أساس السبب [8]، واحتج أنصار هذا الطرح بأن “السبب يعتبر عنصرا فنيا في الالتزام ؛ والسبب الفني يؤدي وظيفتين، فهو عنصر في نشوء الالتزام وهو بهذا الوصف يجب أن يتوافر وقت نشوء الالتزام وإلا كان باطلا، وهو كذلك عنصرا في نفاذ الالتزام وهو بهذا الوصف يجب أن يتوافر وقت تنفيذ الالتزام، فإن لم ينفذ الالتزام يجب أن يفسخ العقد المنشئ لذلك الالتزام ويزول الالتزام تبعا لذلك”[9]. ولقد تعرضت فكرة السبب هذه لكثير من الانتقادات منها أن انعدام السبب في الالتزامات المتقابلة يؤدي الى بطلان العقد وليس قابليته للفسخ لكون أن السبب يرتبط أساسا بمرحلة تكوين العقد وليس بمرحلة تنفيذه[10]. وهناك من الفقه من أسس الفسخ على فكرة الارتباط بين الالتزامات، ومن بين القائلين بها العلامة السنهوري في كتابه الوسيط ، إذ قال:”…نؤثر..أن نجعل نظرية الفسخ مبنية على فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين، إذ أن طبيعة هذه العقود تقتضي أن يكون التزام أحد المتعاقدين مرتبطا بالتزام المتعاقد الآخر، فيبدو أمرا طبيعيا عادلا أنه إذا لم يقم أحد المتعاقدين بالتزامه ، جاز للمتعاقد الآخر أن يوقف هو من جانبه تنفيذ ما في ذمته من التزام، وهو الدفع بعدم التنفيذ، أو أن يتحلل نهائيا من هذا الالتزام، وهذا هو الفسخ[11].
والذي يبدو أن تأسيس الفسخ على أساس الالتزامات التبادلية أقرب إلى الصواب منه من غيره من النظريات، ذلك أن إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه هو الذي يدفع المتعاقد الآخر إلى فسخ هذا العقد.
كثيرا ما تختلط بعض المفاهيم مع بعضها البعض، اما لتشابها من حيث أساس قيامها أو أركانها أو آثارها، ونفس الأمر بالنسبة للفسخ فهو يشابه الكثير من المفاهيم من حيث الغاية المتوخاة من هذه المؤسسة، ألا وهي حماية القوة الملزمة للعقد، ولما كان الفسخ ليس هو الوحيد لحل الرابطة التعاقدية لأنه توجد أنظمة أخرى تؤدي نفس إلى نفس الطريق، لذلك ارتأينا تمييز الفسخ عن باقي الأنظمة المشابهة مثل البطلان، والدفع بعدم التنفيذ، والمسؤولية العقدية ، درء لأي خلط بين هذه المفاهيم.
تمييز الفسخ عن البطلان: يجب التمييز بين البطلان والفسخ لكونهما يتفقان في الأثر المترتب على كل منهما، والمتمثل في انعدام الرابطة التعاقدية، بل إن زوال العقد الباطل والعقد القابل للفسخ يتم بأثر جعي. غير أن هناك اختلاف واضح بينهما، حيث إن البطلان هو بمثابة جزاء قانوني نتيجة عدم توفر أحد أركان العقد أو شرط من شروط الصحة؛ في حين أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته المحددة في العقد القائم بينهما. ومن جهة ثانية، فإن هناك فارق مهم بين البطلان والفسخ، وذلك على مستوى نطاق كل منهما؛ فإذا كان يتصور تحقق البطلان سواء تعلق الأمر بالعقود الملزمة لجانب واحد أو العقود الملزمة لجانبين، فإن جزاء الفسخ لا يمكن المطالبة به إلا في نطاق العقود الملزمة لجانبين[12]. ويتميز البطلان عن الفسخ في كون الأول يرجع إلى خلل في تكوين العقد، بينما الفسخ ينشأ العقد سليما مستوفيا لأركان انعقاده، ثم يحصل أن يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه، فيلجأ الطرف الآخر إلى طلب فسخ العقد ليتحلل هو أيضا من الالتزام المترتب عليه[13].
تمييز الفسخ عن الدفع بعدم التنفيذ: يتمثل الدفع بعدم التنفيذ[14] في أن المتعاقد له الحق في الامتناع عن تنفيذ التزاماته تجاه الطرف الآخر حتى يقوم هذا الأخير بتنفيذ ما التزم به إزاء الطرف الأول. في العقود الملزمة لجانبين[15].نميز بين نظام الدفع بعدم التنفيذ والفسخ من حيث الغاية، فهذا الأخير يهدف إلى إزالة الرابطة التعاقدية من الوجود، وإرجاع الأطراف الى حالة ما قبل التعاقد على العكس من هذا فنظام الدفع بعدم التنفيذ هو وسيلة لحث المتعاقد الآخر على إتمام العقد، بمعنى أن هدفه هو ضمان تنفيذ العقد. كما نميز بينهم من حيث الإجراءات فنظام الدفع بعدم التنفيذ تتم إثارته من غير الحاجة الى التقيد بالإجراءات التمهيدية التي تسبق دعوى الفسخ كالإنذار وغيرها.
تمييز الفسخ عن المسؤولية العقدية: هناك تشابه بين نظام الفسخ والمسؤولية العقدية من حيث أن كل منها جزاء لعدم قيام المدين بتنفيذ التزامه التعاقدي، لكن هناك فوارق تفصل بينهما؛ فالمسؤولية العقدية تترتب عن الاخلال بالالتزامات التعاقدية عامة يستوي في ذلك أن يكون التصرف ملزما لجانبين أو ملزم لجانب واحد، في حين أن الفسخ لا يمكن تصوره إلا في التصرفات التبادلية، كما أن هناك فارق آخر يتجلى في التعويض المستحق للطرف المضرور في إطار قواعد المسؤولية العقدية قد يتحقق في غير الحالات التي يتقرر فيها الفسخ، ثم إن الفسخ يهدف إلى إزالة الرابطة التعاقدية وحلها، أما التعويض المستحق في إطار المسؤولية العقدية فهو يهدف إلى جبر الضرر الناشئ عن الاخلال بالالتزامات العقدية مع احتفاظ العقد بوجوده من الناحية القانونية[16].
يلز م للحديث عن الفسخ، توافر الشروط التي وضعها المشرع لقيام الفسخ، وهي التي ذكرها المشرع المغربي في الفصل559 من ق.ل.ع، ومن أهمها:
أن مجال الفسخ ينحصر في العقود التبادلية: مجال الفسخ في العقود التبادلية، بما فيها العقود الملزمة لجانب واحد إذا كانت بمقابل كما هو الشأن بالنسبة للقرض والعارية وأيضا الهبة بعوض.. وبهذا تخرج تصرفات الإرادة المنفردة والعقود الملزمة لجانب واحد، ما لم تكن مثقلة بالتزامات، فلا يمكن أن تكون قابلة للفسخ. فالالتزامات في العقود التبادلية تقوم على ارتباط الالتزامات المتقابلة بشكل لا يتصور معه قيام أحدهما دون قيام الآخر، الأمر الذي يؤدي إلى أنه إذا لم ينفذ أحد الأطراف التزاماته، فإنه يكون من مصلحة الطرف الآخر إما طلب التنفيذ الذي كان سبب في إبرامه للعقد، وإما طلب الفسخ لإنهائه العقد وإعادة الوضع إلى الحالة التي كان عليها قبل ابرامه[17].
أن يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته: يشترط أن يخل المدين بالتزامه التعاقدي شريطة أن يكون الاخلال راجع لخطأ المدين ذاته، أما إذا كان عدم التنفيذ راجعا لسبب أجنبي، وأدى ذلك لاستحالة التنفيذ، فإن التزام المدين ينقضي وينقضي معه التزام الدائن. والاخلال بالتنفيذ في ميدان العقود يتخذ أكثر من مظهر قانوني، فهو قد يكون إيجابيا أو سلبيا وقد يكون كليا أو جزئيا، ويعتبر مجرد التأخر في تنفيذ الالتزام سببا كافيا للفسخ[18].
عدم تقصير طالب الفسخ في تنفيذ التزاماته: يشترط أن يكون طالب الفسخ قد نفذ التزامه أو مستعدا لتنفيذه، فإن هو لم ينفذه وليس له استعداد، فلا يحق له المطالبة بفسخ العقد لعدم قيام الطرف الآخر بتنفيذ ما في ذمته من التزام، إذا ليس من العدل أن يخل هو بالتزامه ثم يطالب بالفسخ بسبب اخلال الطرف الآخر بالتزامه[19].
أن يكون طالب الفسخ قادرا على ارجاع الحال الى ما كانت عليه قبل التعاقد: ومعناه أن تكون للمدين الامكانية للعودة الى الحالة ما قبل التعاقد عن طريق ارجاع الحال الى ما كانت عليه. فإن تعذر الوصول إلى هذه الوضعية بسبب من الأسباب التي تعوق ارجاع الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد إن أمكن ذلك. كهلاك المعقود عليه أو تعيبه أو صعوبة رده إلى صاحبه، فان المحكمة لها من الحلول في إطار سلطتها التقديرية ما يمكنها من إعادة التوازن للمراكز الاقتصادية لأطراف العقد كالحكم بالتعويض[20].
ولا تعدو أن تكون هذه الشروط شروطا موضوعية فقط، وهي لا تختلف بين أنواع الفسخ كافة، وتوجد الى جانبها شروط إجرائية تتمثل في ضرورة الاعذار وصدور حكم قضائي في الفسخ القضائي، وتمسك الدائن بالفسخ في الفسخ الاتفاقي.
يتخذ فسخ العقد من الناحية العملية أحد المظاهر التالية، وهو ثلاثة أنواع:
الفسخ القضائي: وهو الذي توقعه المحكمة إذا توفرت شروطه، ومن أهم شروطه: أن يتعلق الأمر بعقد ملزم بجانبين وأن يحصل الإخلال أو التماطل في تنفيذ الالتزامات المتقابلة كما أسلفنا سابقا فيما يتعلق بشروط الفسخ[21] بالإضافة لضرورة توفر شرط مهم وهو:
- ضرورة التقيد بالإنذار اللازم لتحقق المطل:
يشترط لقبول دعوى المطالبة بالفسخ، أن تسبق بالإخطار اللازم لجعل المدين أو الدائن في حالة مطل. وتظهر أهمية هذا الإنذار في الأحوال التي يكون فيها الالتزام غير محدد المدة. [22] وهو ما أشار إليه المشرع المغربي في الفصل 255 من ق.ل.ع ، إذ قال:” يصبح المدين في حالة مطل بمجرد حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام. فإن لم يعين للالتزام أجل، لم يعتبر المدين في حالة مطل، إلا بعد أن يوجه إليه أو نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء المدين، ويجب أن يتضمن هذا الانذار:
- طلبا موجها إلى المدين بتنفيذ التزامه في أجل معقول
- تصريحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل، فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه مناسبا إزاء المدين.
ويجب أن يحصل هذا الانذار كتابة، ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت من قاضي غير مختص.”
وتجدر الإشارة إلى مجموعة من الملاحظات:
- أولها: أن الإنذار المشار له في المادة 255 من ق.ل.ع يشكل القاعدة العامة في ميدان المداينات والالتزامات الشخصية التي لم يحدد أجلا للوفاء بها، أما بالنسبة للالتزامات المحددة الأجل، فإن مجرد انتهاء المدة دليل على ثبوت المطل في جانب الطرف الذي يتعين عليه المبادرة بالتنفيذ أولا. [23]
- أن مضمون الإنذار الوارد النص عليه في الفصل 255 من ق.ل.ع قد لا يكون صالحا للتطبيق في بعض الميادين الخاصة التي تستوجب إنذارا من نوع خاص، وهذا ما ينطبق مثلا على إشعار الإفراغ اللازم في ميدان الكراء المدني حيث إن الفصل 9 من ظهير 25/12/1980 ينص على أنه يجب أن يتضمن الاشعار بالإفراغ تحت طائلة البطلان: شموله مجموع المحلات المكراة بكافة مرافقها، بيانه للأسباب المثارة من طرف المكري، الإشارة إلى أجل ثلاثة أشهر على الأقل.
وما قيل عن الإفراغ في ميدان الكراء المدني يقال عن الإفراغ في ميدان المحلات التجارية والحرفية، إذ أن الفصل 6 من ظهير 1955 يؤكد على أن الإنذار بالإفراغ يتعين فيه أن يكون مستجمعا لشكليات من نوع خاص، تحت طائلة البطلان ومن خلال الاطلاع على مقتضيات الفصل 27 من الظهير، يتبين أن الشكليات تتمثل في أن يتم توجيه الإنذار من المكري إلى المكتري قبل انقضاء العقدة بستة أشهر على الأقل، وأن يتضمن الإعلام عبارة تشير إلى الأسباب الموجبة للإفراغ.
النوع الثاني: الفسخ القانوني: يتحقق الفسخ بقوة القانون أو الانفساخ عند ثبوت الأسباب الموجبة له، ومن أهم الأسباب هو استحالة تنفيذ الالتزام بفعل سبب أجنبي لا يد للمدين فيه كالقوة القاهرة أو خطأ صادر عن الدائن أو الغير. [24] ومن ذلك ما دل عليه الفصل659 من ق.ل.ع الذي ورد فيه:” إذا هلكت العين المكتراة أو تعيبت أو تغيرت كليا أو جزئيا بحيث أصبحت غير صالحة للاستعمال في الغرض الذي اكتريت من أجله وذلك دون خطأ أي واحد من المتعاقدين، فإن عقد الكراء ينفسخ من غير أن يكون لأحدهما على الآخر أي حق في التعويض ولا يلزم المكتري من الكراء إلا بقدر انتفاعه”.
ومن خلال التمعن في صيغة الفصل، يتبين أنه يتضمن الإشارة إلى بعض الأسباب الموجبة لانفساخ عقد الكراء، وهي هلاك العين المكتراة بآفة سماوية كالزلزال أو بتدخل من الإنسان كالحريق، وكذلك تعيب العين المكتراة أو تغير شكلها، فهذه الأسباب الثلاثة إذا جعلت العقار غير صالح للاستعمال المتفق عليه بين الأطراف، فإن عقدة الكراء تنفسخ بقوة القانون. وهو ما اتضح من خلال الحكم الذي صدر عن محكمة الاستئناف، فقد اعتبرت تهدم العين المكتراة نتيجة لاندلاع الحريق سببا لإقرار انفساخ العقد، وبموجب ذلك فإنه يتعين على المكتري الامتناع عن أداء وجيبة الكراء للمالك.[25]
ومما سبق اتضح أن الانفساخ جزاء قانوني يقرره القانون بسبب تعذر الوفاء بالالتزامات المتقابلة، ويشترط لانفساخ العقد بقوة القانون توافر الشروط التالية:
- أن يتعلق الأمر بعقد ملزم لجانبين
- أن تصبح التزامات أحد الأطراف مستحيلة استحالة مطلقة كهلاك موضوع الالتزام أو تعيبه نتيجة لفعل طارئ جعله غير صالح لما أعد له بحسب طبيعته أو بمقتضى العقد.
- أن تكون الاستحالة ناشئة بعد إبرام العقد أو على الأقل أثناء تنفيذه كهلاك الشيء أو تعيبه بالشكل الذي يحول دون الحصول على منفعته. [26]
- يتوجب أن تكون الاستحالة راجعة لسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، [27] ويتحقق ذلك في حالة القوة القاهرة والاستحالة التي يتسبب فيها الدائن أو الغير، أو الاستحالة التي يتسبب فيها الدائن لا تؤدي إلى الانفساخ، وإنما إلى يتعين استصدار حكم الفسخ القضائي، وقد يلجأ القاضي إلى إرغام المدين على الوفاء متى كان ذلك ممكنا.
النوع الثالث: الفسخ الاتفاقي: يتقرر هذا الفسخ بناء على اتفاق الأطراف على إدراج شرط فاسخ صريح في العقد،[28] ولقد أشار قانون الالتزامات والعقود المغربي إلى جواز مثل هذا الاتفاق في الفصل 260 الذي جاء فيه:” إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند عدم وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون بمجرد عدم الوفاء”.
ومن تطبيقات هذه القاعدة في ميدان عقد البيع، نجد حالة ما نص عليه ق.ل.ع الذي جاء فيه بأنه إذا اشترط بمقتضى العقد أو العرف المحلي أن البيع يفسخ إذا لم يؤد الثمن، فإن العقد ينفسخ بقوة القانون بمجرد عدم أداء الثمن في الأجل المتفق عليه”[29]
مما لا شك فيه أن فسخ العقد يؤدي حتما إلى زواله، سواء تعلق الأمر بالفسخ القضائي أو القانوني أو الاتفاقي، وذلك بأثر رجعي أي إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه من قبل، بمعنى أن العقد من الناحية القانونية يعتبر كأنه لم يكن، وذلك لأن الرابطة التعاقدية بين الأطراف لم تعد قائمة، إلا أن الإشكال المطروح هنا هو أنه: هل أثر الفسخ واحد في جميع العقود؟
يترتب على فسخ العقد بين المتعاقدين انحلال العقد واعتباره كأن لم يكن من قبل، إلا أنه يجب التمييز بين العقود الفورية والعقود الزمنية. ففي العقود الفورية يكون الفسخ بأثر رجعي، فيزول العقد في المستقبل وفي الماضي. وهذا هو الأثر الحقيقي للفسخ (أولا). أما في العقود الزمنية فالفسخ ينحصر أثره على محو أثره في المستقبل وحده و يبقى العقد بالنسبة للماضي، و يسمى الفسخ في هذه الحالة إنهاء (ثانيا)[30].
أولا: آثار مؤسسة الفسخ في العقود الفورية بالنسبة للمتعاقدين : إذا كان العقد الذي تقرر فسخه أو انفساخه من صنف العقود الفورية، فإن أثر الفسخ بالنسبة للمتعاقدين لا يسري على المستقبل فحسب، وإنما يمتد إلى الماضي كذلك[31]. وهذا ما يعرف بمبدأ رجعية آثار الفسخ على أساس زوال العقد، ويستوجب مع هذا إعادة الأطراف إلى وضعية ما قبل التعاقد. فإذا استحال ذلك في بعض الحالات، فإن المحكمة تحكم بالتعويض المناسب لقيمة الشيء الذي تعذر استرداده، و تتمتع في ذلك بسلطة تقديرية واسعة شرط أن يكون التقدير والتقويم مبنيا على العناصر والمواصفات المميزة للشيء أثناء إبرام العقد، و ليس عند إصدار الحكم[32]، كما أن هناك أسباب تجعل الاسترداد مستحيلا سواء كان إضافة إلى ما سبق ثمة عدة قواعد أخرى تطبق نتيجة زوال العقد و انحلاله منها:
- قاعدة تبعية الفرع للأصل: يترتب على فسخ الالتزام الأصلي، فسخ الالتزامات الفرعية الملحقة به، ومثال ذلك أن فسخ عقد بيع العقار يستتبع زوال الرهن الحيازي الذي أبرمه المشتري عليه لضمان الوفاء بدين يلتزم به في مواجهة الغير،[33] وذلك بمقتضى الفصل 1234من ق.ل.ع الذي ينص على أنه”…وينقضي الرهن بقطع النظر عن انقضاء الالتزام الأصلي …”[34].
- قاعدة ارتباط الفسخ بالتعويض: إن الحكم بالفسخ كجزاء لعدم تنفيذ العقد الملزم لجانبين قد ينتج عنه إضرار بأحد المتعاقدين، ومثل هذه الفرضيات لا يكفي الفسخ فقط، بل يجب أن يكون مصحوبا بالتعويض عن الضرر عندما يطلبه الدائن بالالتزام غير المنفذ. وبالتالي فإنه نجد المشرع في الفصل 259 من ق.ل.ع خول للدائن إمكانية الحصول على تعويض لجبر الضرر الذي لحقه نتيجة فسخ العقد. وهذا التعويض لن يكون له محل إلا إذا توفرت شروطه، وهي الخطأ، الضرر ثم العلاقة السببية بينهما. و في هذا الإطار للمحكمة سلطتها التقديرية في تحديد التعويض حسب حجم الضرر وخطورة الخطأ الصادر عن المدين أو تدليسه ولحسن أو سوء نيته دور فعال في الرفع أو التخفيف من مبلغ هذا الضرر.[35]
- قاعدة احترام تطبيق الشروط الجزائية: إذا كان العقد يتضمن شرطا جزائيا يتحمل المدين بمقتضاه أداء تعويض اتفاقي للدائن في حالة الإخلال بالالتزام أو التأخر في تنفيذه، فهذا الشرط في العقد لا يعني أن المستفيد منه يكون قد تنازل عن دعوى الفسخ القضائية، بل من حقه رفع دعوى الفسخ حتى و لو لم يتحقق بعد مضمون الشرط الجزائي، و يسوغ للدائن أن يطلب في نفس الوقت فسخ العقد و أداء التعويضات التي يقضي بها الشرط الجزائي.[36]
ثانيا: أثر الفسخ في العقود المستمرة بالنسبة للمتعاقدين: إن امتداد أثر الفسخ إلى الماضي يقتصر نطاقه على العقود الفورية دون العقود الزمنية التي لا يترتب عن فسخها أثر رجعي، نظرا لتعذر إرجاع المتعاقدين إلى الوضعية السابقة عن التعاقد، كما هو الشأن بالنسبة لعقد الكراء، الذي تكون فيه الأجرة المستحقة عن المدة السابقة على الفسخ بمثابة أجرة لا تعويض، أي أنها تعتبر كمقابل للمنفعة التي حصل عليها المكتري. ومن ثم فإن القاضي لا يملك أي سلطة تقديرية، تسمح له بالزيادة في تلك الأجرة أو الإنقاص منها.[37] و هذا ما نستشفه من الفصل 659 من ق.ل.ع.
ومن تم فإن أثر الفسخ على العقد الزمني ينحصر في إنهاء العقد أي محو آثاره المستقبلية والإبقاء على الروابط القانونية التي تمت في الماضي. فعقد الكراء مثلا إذا تقرر فسخه لا يعود المتعاقدان إلى ما كان عليه قبل العقد، بل يزول أثر العقد بالنسبة للمستقبل ليس إلا و كذلك عقد العمل و العقود الزمنية الأخرى.[38]
لا يقتصر أثر الفسخ المتمثل في انحلال العقد بأثر رجعي على أطرافه، بل يمتد إلى الغير مع ما يترتب عن ذلك من ضرورة استرداد الأشياء التي انتقلت إليه متى كان ذلك ممكنا، ففي عقد البيع على سبيل المثال، فإذا قام المشتري ببيع الشيء الذي اشتراه إلى مشتر آخر أو رتب عليه حقا عينيا معينا، و بعد ذلك حكمت المحكمة بالفسخ بناء على إرجاع محل البيع خاليا من جميع الحقوق التي أثقلت به[39].
غير أن سريان آثار الفسخ بأثر رجعي على الغير قد يتعارض في بعض الحالات مع بعض القواعد القانونية التي تقضي بعدم امتداد هذا الأثر إلى الغير من قبيل:
-ضرورة مراعاة قاعدة اكتساب الحقوق بحسن النية في مجال المنقول المحكوم بقاعدة “الحيازة في المنقول سند للملكية”[40].
-الغير الذي تقرر له حق عيني على عقار وشهره وفقا للقانون وبحسن نية لا يؤثر فسخ عقد سلفه على حقوقه، لأن الغير في مثل هذه الحالة يعد حسن النية بمجرد قيامه بتقييده حقه على الرسم.
-الغير الذي تمسك بالتقادم الطويل، للغير أن يتمسك بالتقادم الطويل كالحالة التي يشتري فيها شخص عينا ويبيعها إلى آخر، ويبقى المشتري الثاني واضعا يده على العين 15سنة، وبعد ذلك يطلب البائع فسخ البيع الأول لسبب من أسباب الفسخ، في هذه الحالة لا يؤثر الفسخ في حق الغير أي المشتري الثاني إذ يستطيع أن يتمسك بالتقادم.
وبعد هذه الجولة مع مفهوم الفسخ وأحكامه وآثاره في المجال المدني، والتي اتضحت من خلالها أهمية هذه المؤسسة في صيانة حقوق الدائن الذي تضرر مصلحته نتيجة عدم وفاء المدين، وهو بذلك يضمن التوازن بين أطراف العقد. غير أن انتقال هذه المؤسسة إلى المجال التجاري لا شك سيصبغ عليه خصوصيات، تجعلها متميزة بتميز المجال التجاري، وهو محل الحديث في المبحث الموالي.
نشأت مؤسسة الفسخ في أحضان القانون المدني، ذلك أن ظهير الالتزامات والعقود نظمها ضمن الباب المتعلق بتنفيذ الالتزامات وآثاره. لكن هذا لا يعني أن تبقى هذه المؤسسة حكرا على هذا المجال، وإنما انتقلت إلى مجموعة من القوانين خاصة منها المرتبطة بالحياة الاقتصادية، وعلى رأسها القانون التجاري بشتى فروعه. غير أن انتقال هذه المؤسسة للقانون التجاري جعل لها خصوصية تنفرد بها عن المجال المدني. ولأجل بيان خصوصيات هذه المؤسسة بين المجال المدني، ونظيره التجاري، نقتصر على دراسة نموذجين. إذ تم تناول فسخ العقود الجارية في إطار صعوبات المقاولة كنموذج للفسخ في المادة التجارية (المطلب الأول)، وتم تناول الفسخ الجزئي الذي يكون محله العقود المدنية (المطلب الثاني).
نشأ الفسخ بداية في المجال التعاقدي لضمان استقرار المعاملات، وتحقيق التوازن العقدي. وانتقل إلى القانون التجاري بشتى فروعه. فقد نهل هذا الأخير مقتضيات عديدة من القانون المدني، بل إن المشرع في بعض العقود لم يبين كيفية فسخها، ففتح المجال أمام القواعد العامة لتتولى ذلك، وخير مثال هو عقد التسيير الحر، حيث يكون القاضي ملزما للرجوع للقواعد العامة، وتحديدا الفصول المنظمة لفسخ عقد الكراء في قانون الالتزامات والعقود.
ويمثل العقود الجارية في إطار صعوبات المقاولة نموذجا مهما في المجال التجاري، دفعت إليه الرغبة في صيانة المصلحة الاقتصادية العامة، التي تحاول إنقاذ المقاولة من شبح التصفية، والحفاظ على مصالحها، وكذا مصالح مختلف المتعاملين معها. ويقصد بالعقود الجارية العقود المتعلقة بتقديم خدمة أو توريد أو تزويد أو غيرها، والتي تكون سارية التنفيذ عند صدور مقرر حكم فتح مسطرة معالجة صعوبات المقاولة.[41]
ولا بد من التمييز بين القاعدة العامة التي تمنح للسنديك السلطة التقديرية في اتخاذ قرار استمرار العقود الجارية أو عدمه، (وهو ما سنعالجه في هذا المطلب)، وبين الحالة التي نظمها المشرع بمقتضيات خاصة، وهي حالات الكراء وعقد الشغل وعقد التأمين.
ويقوم هذا التمييز على مستوى أسباب الفسخ، وآثاره وإجراءاته لبيان أثر التطورات الاقتصادية على مؤسسة الفسخ.
أولا: على مستوى أسباب الفسخ: يحكم العقد بين الأطراف مبدأ القوة الملزمة للعقود الذي يجسد الطابع الإجباري للعقد، ذلك أن كل طرف يلزمه الوفاء بما وعد القيام به، وإذا حدثت أسباب تحول دون تطبيق هذا المبدأ، ومن بينها حالة تحقق الشرط الفاسخ المتفق عليه مسبقا بين الأطراف أو الحالة التي يخل فيها أحد المتعاقدين بالتزاماته المتقابلة، يحق للمتعاقد المتضرر طلب فسخ العقد.[42]
ولقد عطل المشرع التجاري هذين الفصلين من خلال الباب الخامس من مدونة التجارة، والمتعلق بإجراءات الوقاية والمعالجة من صعوبات المقاولة، وتحديدا في المادة 573 المنظمة للعقود الجارية، وذلك استجابة للمصلحة الاقتصادية للمقاولة كوحدة داخل الاقتصاد الوطني تؤدي تصفيتها إلى إلحاق أضرار بالعديد من الفاعلين. وحين راهن المشرع على استمرارية المقاولة في أفق إسعافها، كان من الطبيعي أن يستند ذلك على ضمان استمرار العقود الجارية التي تربط المقاولة مع المتعاقدين معها، إذ أصبح ينظر إلى العقد ليس كرابطة بين إرادتين بل كأحد أموال المقاولة، يتعين حمايته وتحصينه وتوظيفه في الحل المرتقب للمقاولة.
وبالرجوع إلى المادة 573 نجدها تنص على أنه: “يجب على المتعاقد أن يفي بالتزاماته رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة”. ولا شك أن هذا المقتضى يشكل قطيعة مع القواعد العامة التي تعتبر إخلال المدين بالتزاماته يعد سببا لطلب فسخ الرابطة التعاقدية.
وبالرغم من قسوة وحدة ما جاءت به المادة 573 فإنها تعتبر منطقية بشكل جلي، إذ كيف يمكن تسوية المقاولة إذا توقفت العقود الجارية عن تزيدها بالسلع والخدمات،[43] وذلك وهو ما تجسد في قرار عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس أنه: “طبقا لأحكام الفصل 573 من مدونة التجارة، فإنه لا يحق للمتعاقد مع المقاولة الخاضعة لمسطرة التسوية القضائية فسخ العقد الذي يربط في حالة عدم الوفاء بالتزاماتها إلا بعد توجيه إنذار إلى السنديك يظل بدون جواب لمدة تفوق شهرا”[44]
إن تعطيل المادة 573 لأسباب الفسخ اعتبر تراجعا لمبدأ القوة الملزمة للعقد، فالمشرع أعفى المقاولة الخاضعة لمسطرة المعالجة من التقيد بمبدأ القوة الملزمة للعقد، في الوقت الذي ألزم به الطرف الآخر المتعاقد معها رغم عدم وفاء المقاولة بالتزاماتها السابقة لفتح المسطرة.
ولقد انقسمت تفسيرات تجميد أثر الفسخ الوارد في المادة 573 إلى طائفتين:
الطائفة الأولى: أعزت تعطيل المادة 573 لأسباب الفسخ العامة لكون هذه الأخيرة تتعارض مع مبدأ استمرار المقاولة، وبالتالي كبح النمو الاقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى فإن الأسباب العامة تتعارض مع ما جاءت به المادة 653 من مدونة التجارة التي تمنع كل دعوى قضائية يقيمها الدائنون أصحاب ديون نشأت فتح المسطرة ترمي إلى فسخ العقد لعدم أداء مبلغ من المال. [45]
الطائفة الثانية: استند هذا الرأي على بيان طبيعة الفسخ الذي يبقى ذو طابع احتياطي بما أن الدائن في الأصل يمكنه في حالة تماطل المدين أن يجبره على التنفيذ، ما دام أن الهدف من تعاقده هو الحصول على أداء الطرف الآخر أي المدين. وقد عضد هذا التفسير توجهه بما ورد في المادة 259 من ق.ل.ع التي منحت للدائن والمحكمة خيار سلوك الطريق الأصلي وهو دعوى التنفيذ أو سلوك الطريق الاحتياطي الذي يتجسد في الفسخ. [46]
ولا شك أن هذان التفسيرين يكملان بعضهما البعض، إذ يشكلان وحدة يمكن من خلالها فهم وتفسير الغاية التي كانت وراء تعطيل أسباب الفسخ في المادة 573. والمتمثلة في حماية المصلحة الاقتصادية للمقاولة.
ثانيا: الاختصاص في اتخاذ قرار فسخ العقد: تعد مسألة منح اختصاص البت في مصير العقود الجارية للسنديك ميزة من مميزات الفسخ التجاري، تجعله يتميز عن القواعد العامة، فبالرجوع إلى المادة 573 من مدونة التجارة، نجدها تمنح صلاحية الاختيار للسنديك وحده، فهو الجهاز الوحيد في نظام معالجة صعوبات المقاولة الذي يملك الكلمة الفصل، وذلك بتقريره مواصلة العقد أو فسخه. إن السنديك عندما يمارس مهامه لا يقاسمه هذه الصلاحية لا القاضي المنتدب ولا أي جهاز آخر من أجهزة المسطرة الجماعية بل حتى المدين لا يملك سلطة تحديد مصير العقد الجاري، فهذه الإمكانية مخولة للسنديك فقط ولا يزاحمه فيها لا المقاول ولا الطرف المتعاقد. فهذه السلطة من النظام العام ولا تخضع لأي استثناء اتفاقي أو قضائي أو قانوني، ويترتب على تجاوزها البطلان.[47]
ويلاحظ أن المشرع أعطى للسنديك هذا الحق نظرا لتفضيل وضعية المقاولة على أوضاع أخرى، لأنها في حاجة إلى ضمان استمرارية استغلالها على أمل إنقاذها من جهة. ومن جهة أخرى يفترض في السنديك، ممثل جهة القضاء، أن يتحلى بالحياد والموضوعية الأمر الذي يجعله يراعي موقفه من مواصلة تنفيذ العقود من عدمه بدرجة أساسية وضعية المقاولة. [48]
ثالثا: على مستوى إجراءات الفسخ: لكي يتمكن الدائن من فسخ العقد الذي ربطه بمدين مماطل، يتعين عليه إتباع مجموعة من الإجراءات التي اختلف تنظيمها بين القانون المدني والقانون التجاري. فأما الفسخ المدني، تختلف إجراءاته بحسب نوع الفسخ. ففي الفسخ القضائي، فإن إجراءات الفسخ تتمثل في الاعذار، وفي طلب الفسخ من المحكمة. أما عندما يتعلق الأمر بالفسخ الاتفاقي، فإن إجراءاته تخضع بالأساس لإرادة الأطراف، لكن فيما يخص العقود الجارية نجد أن الأمر مختلف تماما، حيث يجب أن نميز بين الفسخ الذي يتم بمبادرة من السنديك، والفسخ الذي يتم بمبادرة من المتعاقد.
- فسخ العقد الجاري بمبادرة من السنديك: لم يقيده المشرع المغربي بشكليات أو آجال معينة.[49]
- الفسخ الذي يكون بمبادرة من المتعاقد، فقد قيده المشرع بإجراءات وآجال محددة يجب احترامها، وعليه فإذا كانت إرادة المتعاقد تنسحب نحو فسخ العقد الجاري، ففي هذه الحالة يتعين عليه أن يوجه إنذارا إلى السنديك، فإن ظل دون جواب لمدة تفوق شهرا فسخ العقد بقوة القانون. [50]
ولقد أثارت الإجراءات التي يجب على المتعاقد أن يتبعها من أجل فسخ العقد الجاري الذي يجمعه مع المقاولة موضوع الصعوبات مجموعة من الإشكالات سواء في التشريع المغربي أو الفرنسي. [51] ومن أهم الإشكالات ما يتعلق بكيفية احتساب أجل الشهر المنصوص عليه في المادة 573 ، هل يبدأ احتسابه من تاريخ توجيه الإنذار أو من تاريخ التوصل به من طرف السنديك. ولقد اعتبر جانب من الفقه بأن حساب الأجل يبدأ من تاريخ إرسال الإنذار. في حين يرى جانب آخر من الفقه أن أجل الشهر يجب احتسابه من تاريخ التوصل لا من تاريخ الإرسال، وإن كان التوصل صعب الإثبات، ويعطل المسطرة في بعض الأحيان إلا أنه يعد أكثر عدالة وإنصافا. وقد تم تأييد هذا الرأي الأخير لاعتبار آخر يكمن في كون المشرع المغربي لم ينص على إمكانية التمديد، فالأنسب أن يحتسب الأجل كاملا لا ناقصا، لأن الاعتداد بتاريخ الإرسال قد يؤدي إلى التقليص من أجل الشهر حيث أن الفقرة الفاصلة بين تاريخ الإرسال وتاريخ التوصل قد تستغرق بضعة أيام.[52]
إن تنظيم المشرع لكيفية فسخ العقد الجاري قد أثار إشكالا آخر، ففي الحالة التي يظل فيها الإنذار بدون جواب بعد مرور أجل الشهر ، فإن العقد يفسخ بقوة القانون كدليل عن تنازل السنديك على استمرارية العقد الجاري[53]، إن الخلاف الذي أثير يتمحور حول قرينة هذا التنازل هل هي قرينة قاطعة أم قرينة بسيطة. في هذا الإطار هناك من يرى أن القرينة المقررة في العقود الجارية قرينة بسيطة يمكن إثباتها عكسها، بمعنى أن التنازل عن طريق السكوت لا يعتبر قاطعا ينتفي معه استمرار العقد.[54] إلا أن الغرفة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية في قرار لها صادر بتاريخ 11 دجنبر 1990 أكدت الخاصية القطعية لقرينة الأجل المنصوص عليه في المادة 37 من قانون المساطر الجماعية (والمطابقة للمادة 573 من مدونة التجارة المغربية) وأصبحت هذه القاعدة قاعدة موضوع، وقد تم تأييد هذا التوجه على اعتبار أن الاستناد إلى القرينة البسيطة يحتمل تفسيرين، والحال أن وضعية المقاولة تستوجب بيان وضعيتها بشكل قاطع. [55]
رابعا: على مستوى آثار الفسخ: يرتب الفسخ في المجال المدني مجموعة من الآثار، وتتمثل أساسا في إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه بالإضافة للتعويض. وهو ما اتضح من خلال الفقرة الأولى من الفصل 259 التي جاء فيها: “إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين….” فقد نص المشرع على الحق في التعويض، واعتبره ثابتا في حالة إجبار المدين على تنفيذ العقد، وفي حالة فسخ العقد. ولا شك أن المشرع في المادة المدنية يراعي مصلحة الدائن، ويحيطها بمجموعة من الضمانات، كما أنه يسهم في الإعلاء من شأن القوة الملزمة للعقد.
ويتميز فسخ العقود الجارية في إطار نظام معالجة صعوبات المقاولة بمجموعة من الخصوصيات، فالمادة 573 من مدونة التجارة تمنح للمتعاقد الذي لا يختار السنديك متابعة تنفيذ عقده، إمكانية رفع دعوى للتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء فسخ العقد الذي كان يربطه بالمقاولة موضوع المسطرة القضائية، إلا أن هذا التعويض تطبعه مجموعة من الخصوصيات جعلته يتميز عن ذلك المنظم في إطار القواعد العامة، فإذا تأملنا المادة 573 من مدونة التجارة نجدها تستعمل كلمة” يمكن”، فهذه العبارة لا تسمح بالحسم النهائي في أحقية التعويض الذي قد يطالب به المتعاقد المتضرر من جراء عدم مواصلة تنفيذ العقد[56]
تمثل مؤسسة الفسخ في المجال المدني تجسيدا حقيقيا لمبدأ القوة الملزمة الذي يحكم العقد، فهي الآلية التي خولها القانون للدائن في مواجهة مطل المدين في إطار مبادئ العدالة والتوازن العقدي بين الأطراف. ولقد لحقتها مجموعة من التغيرات في المجال التجاري، ومن أهمها تكسير حدة القوة الملزمة للعقد. ولا شك أن خصوصية المجال التجاري الذي يتسم بديمومة الحركية والتطور كان لها الأثر الكبير في تميزه عن نظيره المدني.
ما شرعت العقود إلا لتلبية حاجات الأفراد وتحقيق غاياتهم، غير انه قد يخل أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته التعاقدية، كأن يقتصر المدين على تنفيذ العقد في جزء منه فقط أو ينفذ العقد تنفيذا معيبا مخالفا للشروط والمواصفات المتفق عليها، فيكون من حق الدائن المطالبة بفسخ العقد. وإذا كان عدم تنفيذ العقد في شموليته، أو مخالفة التزامات جوهرية في العقد، يعد خطأ جسيما يبرر الحكم بالفسخ الكلي للعقد، فإن تنفيذ جزء منه يثير إشكالا حول مصير العلاقة التعاقدية. ومن أجل إعادة التوازن العقدي للالتزامات المتقابلة، فتح المجال للقاضي لبسط سلطته التقديرية في إيقاع الفسخ الجزئي للعقد كآلية لضمان ملائمة الجزاء مع عدم التنفيذ الجزئي أو التنفيذ المعيب للعقد، كلما تكونت لديه قناعة بعدم جدوى محو العلاقة التعاقدية كليا، وتوافرت شروط الحكم بفسخ العقد جزئيا. ولقد تضمن قانون الالتزامات والعقود مقتضيات تخص الفسخ الجزئي في الفصل 558 حيث أجاز للمشتري أن يطلب فسخ البيع بالنسبة للجزء المعيب وحده من الأشياء التي اشتراها صفقة واحدة وبثمن إجمالي،[57] وكذا الفصل 336 من نفس القانون حيث نص على أن الفسخ لا يقع إلا في جزء من العقد الذي لم ينفذ [58].
ولمعالجة إشكالية الفسخ الجزئي كآلية لضمان استمرار العلاقة التعاقدية، وضمان استمرار المعاملات، نقسمها إلى نقطتين، يتحدث في الأولى عن شرط إيقاع الفسخ الجزئي (الفقرة الأولى) وفي الثانية عن عدم التنفيذ كواقعة تبرر الحكم بالفسخ الجزئي (الفقرة الثانية).
يشترط للحديث عن الفسخ الجزئي أن يكون العقد قابلا للتجزئة. ويطلق عليه تسميات أخرى من قبيل قابلية العقد للانقسام أو قابليته للانفصال أو ما يطلق عليه لدى فقهاء الفقه الإسلامي بقابلية الصفقة للتفريق أو التبعيض، وترد هذه التسميات في إطار معنى واحد ألا وهو ” الفصل بين شقي العقد، إذا كان العقد في ذاته قابلا للانقسام، بحيث يكون صحيحا في الشق المتبقي منه”[59]. وينصب معيار القابلية للتجزئة أو عدمها على الالتزامات المكونة للعقد، وهو ما يفسر اقتصار الاجتهاد القضائي أساسا على العقود التي موضوعها الأموال. أما في عقد الشغل الذي ينصب على استثمار عمل الأجير، فإن قابلية الالتزام للتجزئة غير متاحة دائما. [60] ويشترط ليكون العقد قابلا للتجزئة ما يلي:
أولا: استقرار الطبيعة القانونية للعقد بعد إنقاصه: ويراد بذلك أن يتضمن الجزء المتبقي من العقد الأركان اللازمة لوجوده، أي يجب ألا يؤدي إزالة بعض الأجزاء من العقد إلى تغيير وصفه القانوني. وبالمفهوم المخالف، إذا كان العقد بعد بتر جزء منه، قد أصبح نموذجا قانونيا آخر غير الأول، فعندها نكون أمام تحول العقد. ذلك أن أحد المتعاقدين قد يرتكب مخالفة للعقد، كأن يمتنع عن تنفيذ جزء من العقد أو ينفذ جزءا من العقد لكن على نحو معيب، فإذا حقق تنفيذ العقد المنفعة التي قصدها المتعاقد منه، رغم ما اعتراه من قصور، فإن المخالفة المرتكبة في هذه الحالة لا تجيز الفسخ الكلي للعقد. ومع ذلك قد يسمح بفسخ العقد جزئيا بالنسبة للجزء الذي لحقه العيب أو الذي لم يتم تنفيذه وحده، بينما يظل الجزء الآخر منه قائما منتجا لآثاره بين طرفيه. [61]
ثانيا: بقاء الجزء الآخر من العقد صالحا لإعمال حكمه: لا يثير عدم تنفيذ العقد بصورة إجمالية أي إشكال، إذ يمكن للمتعاقد الآخر طلب الفسخ الكلي للعقد، فيما يجسد التنفيذ الجزئي للعقد الفرق بين الالتزامات التي تعهد بها المدين، وتلك التي قام بتنفيذها. [62]
ولقد أورد المشرع المغربي تطبيقات للفسخ الجزئي للعقد وقابلية العقد للتجزئة في إطار فصول قانون الالتزامات والعقود، كالفصل 558 الذي تحدث عن حالة ظهور عيب في المبيع، حيث يمكن للمشتري أن يفسخ البيع بالنسبة إلى الجزء المعيب وحده، ورد ما يقابله من الثمن، إذا كان بالإمكان تجزئة العقد، أو الفسخ الكلي للبيع. وفي نفس الإطار جاء الفصل 560 من نفس القانون ليبين طريقة إنقاص الثمن لعيب شاب الشيء المبيع، إذ يتم تقويم هذا الأخير عند البيع خاليا من العيب، ثم تقويمه على الحالة التي يوجد عليها. ويتحدد المقدار الذي ينبغي إنقاصه من خلال الفرق بين ثمن المبيع في الحالة الأولى، وثمنه في الحالة الثانية.
ثالثا: عدم تنفيذ جزء من العقد أو تعيبه مع إمكانية الاستغناء عن ذلك الجزء: يشترط لتطبيق قابلية التجزئة أن يكون الجزء المتبقي من العقد مما يشكل بقاؤه عقدا مستقلا، إذ تتوافر فيه أركان وشروط أي عقد، لكن دون أن يتحول بهذه الأركان لنوع آخر من العقود مغايرا للعقد الأصلي. [63]
ويستند العقد القابل للتجزئة على العديد من الأسس، منها ما هو قانوني، ومنها ما هو موضوعي، ومنها ما شخصي. أما الأساس القانوني، فيراد به تلك النصوص القانونية التي يضعها المشرع ويجبر الأفراد على احترامها، والمتعلقة بحالات فصل جزء من العقد بصورة حتمية، كآلية لضمان التوازن العقدي وحماية لحقوق الدائن، ونذكر من هذه الحالات ما نص عليه المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود في الفصل (542)[64] بخصوص حالة الاستحقاق الجزئي الذي يبلغ من الأهمية حدا بحيث يعيب الشيء المبيع، حيث كفل المشرع للمشتري حقه في الخيار بين استرداد الجزء الذي حصل استحقاقه، والاحتفاظ بالعقد بالنسبة للباقي، وبين فسخ البيع فسخا كليا واسترداد مجموع الثمن. أما إذا كان الجزء المستحق لم يبلغ من الأهمية الحد الكافي لتبرير الفسخ الكلي لعقد البيع، فإنه ليس للمشتري إلا إنقاص الثمن بقدر ما استحق، وهو أحد تطبيقات الفسخ الجزئي للعقد. أما الأساس الشخصي، فيقصد بذلك أن يكون الجزء المتبقي من العقد بعد تجزئته مما اتفق عليه الأطراف، أي أن هذا الجزء قابل للوجود الذاتي المستقل في نظر المتعاقدين، وهذا الأمر لا يتحقق إلا إذا كان الجزء المنفصل من العقد لا يشكل مسألة جوهرية في قصدهما، أو كما يطلق عليه بالشرط أو الشق الدافع إلى التعاقد. فلو تبين أن العقد كان يشكل وحدة متكاملة في نظر أحد المتعاقدين، لما كان هناك إمكانية إعمال فكرة الانتقاص، وهذا ينطبق على العقود المركبة، حيث يتم التعاقد على أساس القبول بكافة الجوانب التي تشكل الصفقة.[65] في حين أن الأساس الموضوعي يرتكز على طبيعة محل العقد، فإذا كانت الأشياء قابلة للانقسام والتجزئة فهو كذلك، وإلا فلا تتحقق هذه القابلية، وهو ما جاء في الفقرة الأولى من الفصل 181 من ق.ل.ع حيث يتضح من خلال استقراءها أن عدم القابلية للانقسام أو التجزئة ترجع إلى طبيعة الأشياء دون تدخل القانون أو إرادة الطرفين. [66]
يشترط لكي يمارس الدائن المتعاقد حقه في طلب الفسخ، توفر واقعة عدم التنفيذ الجزئي. ومن أجل النظر في طلب الفسخ، ينبغي على القاضي تقدير جسامة عدم التنفيذ للعقد كأرضية يؤسس عليها حكمه بقبول أو رفض الفسخ. ولقد اختلف الفقه حول المعيار الذي يطبقه القاضي لتقدير جسامة الإخلال بالالتزام التعاقدي، فذهب اتجاه إلى اعتماد المعيار الموضوعي في تقدير واقعة عدم التنفيذ، ذلك أن محور اهتمامهم ينصب على طبيعة الالتزام. فالإخلال بتنفيذ التزام أصلي يعد إخلالا جسيما لمساسه بجوهر العقد من ناحية، ولتأثيره في توازنه من جهة أخرى، الشيء الذي يبرر الاستجابة لطلب الفسخ الكلي. أما الالتزام التبعي، فلا يعد عدم تنفيذه جسيما. [67] وهو ما تجسد من خلال قرار لمحكمة النقض الفرنسية صدر بتاريخ 1976، والذي بموجبه رفض الحكم بفسخ عقد بيع آلة بعلة أن العيب الذي شابها لا يعتبر جسيما ولا مؤثرا إذ يمكن تصحيحه. ويتضح أن القضاء الفرنسي قد تبنى معيارا موضوعيا، ذلك أن القاضي عند نظره في الدعوى، يبحث عما إذا كان موضوع العقد لازال قائما أم لا. [68]
بينما استند اتجاه آخر على التقدير الذاتي لجسامة عدم التنفيذ، والذي يرتكز على الوقوف عند الإرادة الحقيقية للطرفين، إذ يمكن أن تتجه إرادة المتعاقدين عند إبرام العقد إلى وجوب التنفيذ الكامل للعقد. ولا يتوقف القاضي عند هذا الحد، وإنما يهتم بمرحلة تنفيذ العقد، إذ يتوجب عليه أن يقيم سلوكات ونية المخل بالالتزام، ذلك أن جسامة عدم التنفيذ تتمثل في الفرق بين الإرادة المعلنة في العقد وحدود ترجمتها إلى أفعال عند التنفيذ. فإذا كان الجزء غير المنفذ مما يمكن تجاوزه دون أن يؤثر على الهدف من العقد، فإنه يمكن إيقاع الفسخ الجزئي، فعلى القاضي إذن التحقق من قدرة الأطراف على تحقيق الأهداف المنتظرة من إبرام العقد، والفسخ الجزئي لا يمكن إيقاعه إلا في حالة نقص في العقد لعيب في التنفيذ أو عدم تنفيذ جزئي، مع إمكانية جني الأطراف المتعاقدة للفائدة المنتظرة عند إبرام العقد. [69]
ويعتد القاضي بسلوك الطرفين، فإذا طالب الدائن بفسخ العقد بسبب إخلال المدين بالتزامه، فإن القاضي يعتد بسلوك المدين كوسيلة لتقدير جسامة عدم التنفيذ. كما أنه ينظر في طلب الدائن بناء على ما توصل إليه من معطيات حول جسامة الإخلال بالالتزام، حيث يستجيب لطلب الفسخ كلما كان المدين مسؤولا عن التنفيذ مسؤولية كاملة من أجل إلحاق الضرر بمصلحة الدائن، أي أن المدين سيء النية في التنفيذ. أما إذا كان سلوك المدين خاليا من أي خطأ، فإن الأمر يستدعي إعادة التوازن بين الالتزامات العقدية من خلال تشطير المخاطر، دونما حاجة للجوء للفسخ. [70]
عندما ينظر القاضي في العقد، و يتبين له أن ما لم ينفذ من العقد قليل الأهمية بالمقارنة بما نفذ، أو أن المدين حسن النية بإمكانه التنفيذ إذا خوله مهلة، فإنه يرفض طلب الفسخ ويقضي بالإمهال،[71] وهو ما نص عليه المشرع في الفصل 234 من ق.ل.ع.[72] ولا شك أن القاضي وهو ينظر في طلب الفسخ، فإنه يأخذ بعين الاعتبار كافة العناصر والظروف المتدخلة في الموضوع إلى غاية إصدار الحكم أو القرار، وذلك لتقدير مدى جسامة إخلال المدين بالتزاماته العقدية. وفي هذا الإطار صدر حكم للمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء بتاريخ 29 دجنبر 2009، رفضت بموجبه المحكمة الاستجابة لطلب الفسخ وذلك بعلة أنه:” لم يستند على أسباب قانونية واضحة، خاصة وأن عقد البيع تام بقبض الثمن بكامله وتسليم المبيع، وأن المدعي لم يثبت واقعة عدم توفر نظير الرسم العقاري ولم يحدد بدقة باقي الوثائق الأخرى، ويتعين تبعا لذلك التصريح بعدم قبول طلب الفسخ”[73] ،وقد تستجيب المحكمة لقرار الفسخ، فيتقرر بمقتضى حكم قضائي صادر عن المحكمة المختصة، وللقاضي في هذا الميدان سلطة تقديرية واسعة في الحكم بالفسخ أو الإبقاء على العقد. [74] ويتوجب عليه أن يقدر إذا كان يقضي بفسخ العقد كله أم أن يقتصر على فسخ جزء منه مع بقاء الجزء الآخر.
وعلى العموم يعد الفسخ الجزئي للعقد وسيلة قانونية يلجأ إليها القاضي لإيجاد حل لإشكالية التنفيذ الجزئي أو التنفيذ المعيب. ورغم أن الفسخ الجزئي يعتبر في نظر البعض خروجا عن مبدأ القوة الملزمة للعقد وخرقا لمبدأ سلطان الإرادة، إلا أن الواقع العملي أثبت مدى استجابته لغايات اقتصادية واجتماعية تتمثل في الحفاظ على العلاقة التعاقدية وضمان استقرار المعاملات، وذلك من خلال تصحيح الخلل الحاصل أثناء تنفيذ العقد وبالتالي إعادة التوازن بين التزامات طرفي العقد.
تأسيسا على ما سبق، يعتبر الفسخ جزاء مدنيا للمتعاقد الذي أخل بالتزام من التزاماته التعاقدية، وهذا الفسخ تترتب عنه آثار سواء بالنسبة للمتعاقدين أو الأغيار كما سبق الذكر، غير أن الفسخ كمؤسسة قانونية وظيفتها حل الالتزامات التعاقدية في العقود التبادلية لم تبقى لها نفس القوة التي كانت عليها، بحيث أصبح التوجه الآن نحو الفسخ بالإرادة المنفردة وهو ما أقرته مجموعة من التشريعات من قبيل القانون الألماني والقانون الصيني وغيرها من القوانين، فإلى أي حد يمكن القول بالفسخ بالإرادة المنفرد في التشريع المغربي؟
من إعداد :
ذ. جاد المصطفى
ذة. خديجة جليلي
المعاجم
- ابن منظور، لسان العرب (،دار صادر، سنة النشر 2003)، الجزء11.
الكتب
- العرعاري عبد القادر، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، (ط 6 ، سنة 2018) .
- موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في القانون المدني الجديد، المجلد الثاني.
- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام،
- الشرقاوي عبد الرحمان، القانون المدني، مصادر الالتزام، التصرف القانوني، ( ط 5 مطبعة المعرف الجديدة، الرباط).
- الترجمان زيد قدري، مصادر الالتزام، الجزء الأول، نظرية الالتزام، (سنة 1992).
- الصافي عبد الحق، الوحيز في القانون المدني، الحزء الأول، سنة 2016،
- مساطر معالجة صعوبات المقاولة، علال فالي، ط 2(الرباط، 2015).
الرسائل والأطاريح
- حنيت عمار، “التعسف في استعمال حق الفسخ” (رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة الجزائر1- بن يوسف بن خدة، كلية الحقوق سعيد حمدين).
- مالك أيت سعيد، بحث نهاية التكوين الملحقين القضائيين، آثار عدم تنفيذ الالتزام – مطل المدين نموذجا- سنة 2015/ 2017،
- شرح أحكام نظام مساطر معالجة صعوبات المقاولة في ضوء القانون 73.17، عبد الرحيم شميعة،
المقالات العلمية
- مؤسسة الفسخ بين ثوابت القانون المدني ومتطلبات الحياة الاقتصادية- العقود الجارية في إطار نظام معالجة صعوبات المقاولة نموذجا- إمان النيس، مجلة الّأبحاث في القانون والاقتصاد والتدبير، ع 2، 2016.
- مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكترية، محمد العروصي، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات
- الفسخ الجزئي للعقود المدنية- دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن-، رشيد خواضي، مجلة القضاء المدني
- قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 21/4/1926، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 225،
- قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس، رقم 1025 الصادر بتاريخ 23/09/2004، ملف عدد 560/2004 قرار منشور بقرص مدمج أصدرته وزارة العدل تحت عنوان: اجتهادات محاكم الاستئناف التجارية.
- حكم للمحكمة الابتدائية للدار البيضاء، ملف رقم 09-21-76 صادر بتاريخ 29/12/2009.
[1] القانوني الكنسي: هو النظام الأساسي القانوني لمجموعة القوانين والأنظمة الصادرة أو التي تعتمدها السلطة الكنسية والمنظمات المسيحية وأعضائها. وهي عبارة عن قوانين تحكم علاقات الأفراد ومعاملاتهم والتي تخضع للمصادر الكنسية المسيحية.
[3] العرعاري عبد القادر، مصادر الالتزام، الكتاب الأول، نظرية العقد، (ط 6 ، سنة 2018) ص 398 فقرة 478.
[4] حنيت عمار، “التعسف في استعمال حق الفسخ” (رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص جامعة الجزائر1- بن يوسف بن خدة، كلية الحقوق سعيد حمدين) ص 9 وما يليها.
[7] عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، الجزء الأول، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، ص 700.
[8] المقصود بالسبب كأساس لحق الفسخ ويعني الغاية المباشرة التي يتوخاها كل متعاقد من إبرامه العقد، وليس السبب الباعث أو الدافع الذي يختلف من متعاقد إلى آخر.
[14] نص المشرع على هذا المبدأ في الفصل 235 من ق.ل.ع الذي جاء فيه: “في العقود الملزمة للطرفين يجوز لكل متعاقد منهما أن يمتنع عن أداء التزامه إلى أن يؤدي المتعاقد الآخر التزامه المقابل، وذلك مالم يكن أحدهما ملتزما حسب الاتفاق أو العرف بأن ينفذ نصيبه من الالتزام أولا…”.
[17] الشرقاوي عبد الرحمان ، القانون المدني، مصادر الالتزام، التصرف القانوني، ( ط 5 مطبعة المعرف الجديدة، الرباط) ، ص 316.
[27] – ينص الفصل 335 من ق. ل.ع على أنه: “ينقضي الالتزام إذا نشأ ثم أصبح محله مستحيلا استحالة طبيعية أو قانونية، بغير فعل المدين أو خطأه، وقبل أن يصير في حالة مطل.”
[32] مالك أيت سعيد، بحث نهاية التكوين الملحقين القضائيين، آثار عدم تنفيذ الالتزام – مطل المدين نموذجا- سنة 2015/ 2017، ص 34.
[34] ينص الفصل 1234 من ق.ل.ع المغربي على أنه : ” و ينقضي الرهن بقطع التظر عن انقضاء الالتزام الأصلي:
أولا- بتنازل المرتهن عن الرهن ؛
ثانيا – بهلاك الشيء المرهون هلاكا كليا؛
رابعا- بفسخ حق الطرف الذي أنشأ الرهن؛
خامسا- بانقضاء الأجل الذي عقد الرهن إلى نهايته ، أو بتحقق الشرط الفاسخ الذي علق الرهن عليه؛
سادسا- في حالة حوالة الدين بدون اشتراط الرهن؛
سابعا- ببيع المرهون بيعا صحيحا بناء على طلب دائن سابق في التاريخ.
[40] نص الفصل 456 من ق.ل.ع المغربي على:” يفترض في الحائز بحسن النية شيئا منقولا أو مجموعة من المنقولات أنه قد كسب هذا الشيء بطريق قانوني و على وجه صحيح، و على من يدعى العكس أن يقيم الدليل عليه. ولا يفترض حسن النية فيمن كان يعلم أو كان يجب عليه أن يعلم عند تلقيه الشيء أن من تلقاه منه لم يكن له حق التصرف فيه”.
“إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، ما دام تنفيذه ممكنا. فإن لم ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين….”
ونص الفصل 260: إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يفسخ عند وفاء أحدهما بالتزاماته وقع الفسخ بقوة القانون، بمجرد عدم الوفاء.
[43] -مؤسسة الفسخ بين ثوابت القانون المدني ومتطلبات الحياة الاقتصادية- العقود الجارية في إطار نظام معالجة صعوبات المقاولة نموذجا- إمان النيس، مجلة الّأبحاث في القانون والاقتصاد والتدبير، ع 2، 2016. ص 147.
[44] – قرار صادر عن محكمة الاستئناف التجارية بفاس، رقم 1025 الصادر بتاريخ 23/09/2004، ملف عدد 560/2004 قرار منشور بقرص مدمج أصدرته وزارة العدل تحت عنوان: اجتهادات محاكم الاستئناف التجارية.
[46] – نص الفصل 259 على ما يلي: إذا كان المدين في حالة مطل كان للدائن الحق في إجباره على تنفيذ الالتزام، مادام تنفيذه ممكنا. فإن لم يكن ممكنا جاز للدائن أن يطلب فسخ العقد، وله الحق في التعويض في الحالتين:
[47] – مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكترية، محمد العروصي، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ص21.
[49] – مؤسسة الفسخ بين ثوابت القانون المدني ومتطلبات الحياة الاقتصادية- العقود الجارية في إطار نظام معالجة صعوبات المقاولة نموذجا- إمان النيس، ص149.
[54] – مآل عقد الكراء التجاري إثر فتح مسطرة التسوية القضائية ضد المقاولة المكترية، محمد العروصي، المجلة المغربية لقانون الأعمال والمقاولات، ع 4، 2004، ص 22 .
[56] الفقرة الثالثة من المادة 573: عندما لا يختار السنديك متابعة تنفيذ العقد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى دعوى للتعويض عن الأضرار يدرج مبلغه في قائمة الخصوم”
[57] – نص المشرع في الفصل 558 من ق.ل.ع على ما يلي:” إذا بيعت عدة أشياء مختلفة صفقة واحدة بثمن إجمالي واحد، كان للمشتري ولو بعد التسليم، أن يطلب فسخ البيع بالنسبة إلى الجزء المتعيب وحده من هذه الأشياء ورد ما يقابله من الثمن…”
[58] -نص المشرع في الفصل 336 من ق.ل.ع: “إذا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الالتزام إلا جزئيا. فإذا كان من طبيعة هذا الالتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر للدائن، كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الالتزام في مجموعه”.
[59] – الفسخ الجزئي للعقود المدنية- دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن-، رشيد خواضي، مجلة القضاء المدني، ع 13، 2016، ص 32.
[62] – الفسخ الجزئي للعقود المدنية- دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن-، رشيد خواصي، مرجع سابق، ص 33.
[63] – الفسخ الجزئي للعقود المدنية- دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن ،رشيد خواصي، مرجع سابق، ص 34.
[64] – ينص الفصل 542 من ق.ل.ع في فقرته الأولى: في حالة الاستحقاق الجزئي الذي يبلغ من الأهمية حدا بحيث يعيب الشيء المبيع، وبحيث أن المشتري كان يمتنع عن الشراء لو علم به، يثبت للمشتري الخيار بين استرداد ثمن الجزء الذي حصل استحقاقه والاحتفاظ بالبيع بالنسبة الى الباقي، وبين فسخ البيع واسترداد كل الثمن.
– بمقتضى طبيعة محله، إذا كان هذا المحل شيئا أو عملا لا يقبل القسمة سواء كانت مادية أو معنوية،..”
[68] – الفسخ الجزئي للعقود المدنية، دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن ،رشيد خواصي، مرجع سابق ، ص 37.
[69] – الفسخ الجزئي للعقود المدنية، دراسة في ضوء القانون المغربي والمقارن، رشيد خواصي ،مرجع سابق، ص 39.
[72] – الفقرة الثانية من الفصل 243 من ق.ل.ع: ” ومع ذلك يسوغ للقضاة مراعاة منهم لمركز المدين، ومع استعمال هذه السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه آجالا معتدلة للوفاء وأن يوقفوا إجراءات المطالبة مع إبقاء الأشياء على حالها”